قد اصبحت احسد الوحوش الهائمة على وجوهها في بطون الاودية ، وقنن
الجبال ، ان اراها سارية في مساريها ، سارحة في مسارحها ، تتناول رزقها
رغدا من بوارق المصادفات ، و مفاجآت المقادير لا يغنيها الاسف على ما فائت
من العيش ، و لا يقلها الطمع في آت من الرزق ، قد قنعت من الماء بالكدر ،و من العيش
بالجشب فتساوي لديها شحمها و لحمها ، و شيحها و قيصومها و سعدها و نحسها ، و نعيمها
و بؤسها ، فما نحفل نوازل القضاء ، و لا رجوم السماء ،
و لا تبالي أسقطت على الموت أم سقط الموت عليها .
فمن لي بهذا العيش مثلي فيه كمثل واحد زلت به قدمه فسقط في جوف بئربعيد غورها،
ناء مكانها، فما زال يتخبط و يضرب ، و يهب و يثب ، حتى عثر بمرقاة علقت رحله
بها ، ثم تلمس أخرى غيرها فما وجدها ، حتى بلغ منه الجهد أو كاد ، فلم
يصبر على الثانية صبرة على الاولى ، فسقط فخاف الغرق ،
فعاد الى نفسه ، فعاد الى سقوطه ، فلا هو بالغ رأس البئر فينجو من الموت ،
و لا هو بلغ قرارة الماء فينجو من الشقاء .
ارم بطرفك حيث شئت من الناس هل تصبر الا صريعا صرعه أمله
أو قتيلا قتله رجاؤه ، او صديقا يشكو غدر صديق كان يعده
لنوائب الدهر فأصبح عون النوائب عليه او باكيا يبكي وليدا كان يرجوه
لمستقبل دهره ففجته الايام فيه ، او ساعيا دائبا وراء غاية يطلبها
من الدهر فلا يقرب منها حتى يبتعد عنها ، و لا يمسك بها حتى تفلت من يده
أو ساهرا متململا لولا أمله أن تنبله الايام ما يشهيه من هواه ما بات ليله شاكيا
باكيا ، داعيا مناجيا ، لا تراء الا عين السماء و لا تسمعه الا أذن الجوزاء .
هذه حالتي ، و ذاك همي ، و هذا ما وسوش لي أن اعتزل الناس
جميعا ، و أفارق عشيرتي و صحبتي ، و براعي و محبرتي ،
علني أجد في البعد عن مثارات الأماني ، و مباعث الآمالي ، راحة
اليأس ، فاليأس خير دواء لأمراض الرجاء .
فها أنا قابعة في كسر غرفتي لا مؤنس لي الا وحشتي ، و لا أنيس
الا وحدتي ، اتخيل غرفتي قبرا ، و الثوب كفنا ،
و الوحشة و حشة المقبورين في مقابرهم ، لا عالج نفسي على نسيان الحياة
و أمانيها الباطلة و مطامعها الكاذبة ، حتى يبلغ الكتاب أجله ،
و هذا آخر عهدي .....
و الســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق